لا تخف سوف أحررك
كان عائدا من المدرسة متجهًا نحو بيته .. و بينما هو في طريقه وقف أمامه مجموعة من المستوطنين الصبيان و بدؤوا بشتمه شتما فظيعًا ..
لم يستطع صلاح تحمل ذلك .. فأراد أن يرد عليهم و لكنه فكر قبل أن يرد عليهم فاليهود كما نعرف غدارين دائمًا , فقرر أن يهددهم بحجر .. أمسك بصخرة كبيرة أمامه و نظر إليهم بغضب شديد ...
خاف الصبيان الجبناء و هربوا .. إلا واحد بقي واقفًا .. طويل و سمين , يبدو على وجهه الوحشية و العدوانية و تنعدم عنها البراءة .. إنه ضخم جدًا مقارنة بصلاح الفلسطيني النحيل
أمسك ذلك الإرهابي الصغير صلاح من تلابيب ثوبه و لكمه لكمة تُخيل من قوتها أنها قد تكسر الأسنان و تفقع الأعين. سقط صلاح أرضًا و بدأ الدم يسيل من أنفه و لكن لم يأبه بذلك , وقف أمامه كالأسد و بدأ يضربه بقوة و سرعة دون توقف ... حتى شرد ذلك الصعلوك المتعجرف.
ضحك صلاح قائلاً : اتعلم كيف تضرب بعدين تعال اتفلسف عالأصغر منك !!
مسح صلاح الدم من أنفه و أكمل مسيره , مسكين ذلك الصغير , لم يكن يعرف ماذا ينتظره من مصير.
اقترب صلاح من الوصول إلى منزله .. سمع ضجيجًا خلفه , فالتفت ليرى مصدره , اتسعت عيناه من الدهشة , فقد رأى مجموعة كبيرة من المستوطنين يركضون خلفه .. لم يكونوا أطفالاً بل رجالاً , مسلحين بالأسلحة البيضاء ..
ارتعب الصغير .. و بدأ بالركض هاربًا من هؤلاء الوحوش المجرمة , يدخل هنا و هناك .. يلتف يمينا و يسارًا , يحاول أن يضلهم و لكن لا جدوى من ذلك , كأنهم المسامير و صلاح هو المغناطيس الجاذب..
دخل في حارة جديدة و دخل باللتي بعدها .. حتى تعب تعبًا شديدًا , لم يجد أحدّا خلفه , حاول أن يأخذ قسطا من الراحة فوق تعبه من الجري و العراك و المدرسة البعيدة أيضًا ..
و لكن يا فرحة ما تمت ... رآهم مرة أخرى فأكمل المسكين هربه قائلا في نفسه : يا رب ساعدني ...
وجد أمامه عمارة قديمة ذات العشر طوابق , فقرر أن يدخلها , دخل و صعد سريعا حتى وصل إلى السطح و من هناك بدأ بالمراقبة و الاستراحة في نفس الوقت ...
رآهم أخيرا و قلبه يدق سريعا .. فقد كان خائفًا من أن يدخلوا هذه العمارة المهجورة ... إنهم يركضون كالجراد الذي يهجم على المزرعة ... سريعون جدا من أجل قتل ولد صغير بلا شفقة أو رحمة ..
ابتسم صلاح أخيرا بعد أن رآهم قد عكسوا اتجاههم قائلا : الحمدلله .. الحمدلله , أخيرا تخلصت منهم.
قرر النزول , فتح باب السطح فانصدم !!
وجد أمامه نفس الصعلوك الذي ضربه و لكن هذه المرة مع والده مفتول العضلات .. قال صلاح منصدمًا : شو جابكم ؟؟!!
تكلم الأب بالعربية المكسرة : إنتا يا خمار .. كيف تضرب ابني أنا , يا ارهابي يا خرامي , أنا خكسر راسك ..
و ما أن اقترب منه حتى ركض صلاح هاربًا ... راكضا حول السطح و يركض ذلك المتخلف وراءه ... كالقط و الفأر
حتى أمسك الارهابي المستوطن صلاح و بدأ بضرب الطفل ضربًا مبرحا و لكن لحسن الحظ انزلق اليهودي و سقط و لكنه كان ممسكًا بصلاح , فسقط صلاح معه أيضًا .
أثناء سقوط صلاح تمسك بطرف نافذة من نوافذ هذه العمارة القديمة فنجا بحياته , طرق النافذة مرارًا و تكرارًا و لكن لا من مجيب ... قال في نفسه : ها قد وقعت في مصيبة أخرى , يجب أن أتمسك و إلا وقعت و مت ...
انتظر لبرهة , حتى جاء أخيرا رجل يبدو عليه الغنى و يسر الحال , نظر ذلك الرجل إلى صلاح و ابتسم له .. بدأ ذلك الرجل بتحريك شفتيه كأنه يقول شيئًا .. حاول صلاح أن يفهم ... و لكن ذهب الرجل و لم يفتح له النافذة ... استوعب صلاح ما قاله ذلك الرجل .. لقد قال : لا تخف سوف أحررك ..
ارتاح صلاح نفسيًا .. و صاح قائلاً : حسنا سأنتظرك .. لا تتأخر .
انتظر صلاح .. و طال به الانتظار و لم يستطع أن ينتظر أكثر ..
خاب أمله و نطق الشهادة ببراءة مودعًا طفولته الصعبة : أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدًا رسول الله ... و حسبي الله و نعم الوكيل ...
أفلت يديه المتعرقة .. و سقط جثة هامدة